التكنولوجيا و العلوم


يسعى عديد الشعوب اليوم إلى التحصيل العلمي و التحكم في التكنولوجيا، و أصبحت درجة تطور الشعوب و مناعة الدول تقاس بمدى تمكنها من أسباب العلم و سيطرتها على التكنولوجيا نظرا أي ما لهما من انعكاسات عميقة على مختلف المجالات لاسيما الاقتصادي منها و الاجتماعي. لقد أصبحت التكنولوجيا سمة المجتمعات الحديثة يستفيد الفرد من خدماتها و يقبل على اكتسابها مسهما بذلك في حضارة العصر. مفهوم التكنولوجيا: لعله من المفيد التمييز بين التكنولوجيا و التقنية و بين العلوم و التكنولوجيا و ذلك لإبراز خصائص هذه المفاهيم و العلاقة بينها. مفهوم التقنية : هي الأدوات والأساليب و القواعد التي تستخدم لأداء عمل من الأعمال أو صنع شئ ما ، و لكل مجموعة بشرية تقنية أو تقنيات تستخدمها في مرحلة من مراحل تاريخها لتسديد حاجاتها و ضمان بقائها . التقنية إنتاج ثقافي – أي من صنع الإنسان – و تقابل الطبيعي، فاليد أداة عمل طبيعية بينما العصا و الفأس و المحراث أدوات تقنية . يمكن القول أن التقنية هي كل ما يستعين به الإنسان إضافة إلى أعضائه الجسمية لانجاز عمل من الأعمال ، و هي مؤشر على مستوى التطور الذي تبلغه المجتمعات و الحضارات ، و عادة ما تكون التقنيات وليد التجربة الإنسانية و المحاولات المتكررة و الرغبة المتواصلة في أيجاد فنون جديدة لإشباع حاجات الفرد، و هي فنون تنقل جيلا بعد جيل بصورة متماثلة أو بعد التطير و التحسين . لقد ضاعفت التقنية قدرات الإنسان و مهاراته و مكنته من السيطرة إلى حد ما على الطبيعة و التحكم في بيئته و تسخير قواها لخدمته و تغيير ظروف عيشه. و إضافة إلى التقنية أصبحت التكنولوجيا تؤدي دورا كبيرا في تحسين ظروف عيث الإنسان و رفاهيته . التكنولوجيا و العلوم : العلوم هي مجموعة المعارف النظرية التي تهدف إلى اكتشاف القوانين و النظريات و تطوير تقنيات مكتسبة بالتجربة، بينما التكنولوجيا هي البحث عن الطرق و الوسائل لتطبيق النظريات العلمية و العمل في المجال الإنتاج على تحويل ثمرة المعارف العلمية إلى حقائق إنتاجية. لقد ارتبطت التكنولوجيا بالثورات الصناعية المتلاحقة و خاصة الثورة الصناعية الثانية التي عقبت الحرب العلمية الثانية و الثورة الصناعية الثالثة التي اتسمت بتسارع طور العلوم و طهور نظريات جديدة هزت كثيرا من الحقائق و المعارف. فوراء كل أنتاج تكنولوجي أسس عملية و نظريات هندسية و حسابية أقيم عليها ، و بنية صناعية و تنظيم محكم لعمليات الانتقال من التصور و التخطيط إلى التنفيذ و الانجاز و التسويق . فبناء السدود و الجسور و الموانئ و المطارات مثلا تكنولوجيات متعددة تشمل على الأنظمة المعرفية و الهندسية و التسييرية المناسبة لإقامتها و كذلك المعدات و الأجهزة الضرورية لانجازها . الصلة الوطيدة بين التقدم العلمي و التطور التكنولوجي : إن الثورة العلمية و التكنولوجية هي وريثة الحركة العلمية و الثورة التقنية و الصناعية التي شهدتها أوروبا و الغرب بصفة عامة منذ القرن الثامن عشر ، و لم هذا الثورة فجأة بل جاءت نتيجة حركة علمية نشيطة استمدت جذورها من المنهج العقلاني لعصر التنوير و من تجليات هذه الحركة ظهور النظريات العلمية المتلاحقة التي تحولت إلى تطبيقات تقنية و تكنولوجية ، و مما ساعد على ذلك تضافر العديد من العوامل الملائمة و المشجعة على البحث و الابتكار نذكر منها أساسا : التشجيع على التعليم و لاسيما التعليم العلمي الأمر الذي أدي تزايد عدد العلماء و الإطارات و الخبراء و الباحثين . توفر الأرضية المادية المشجعة على الإقبال و التحصيل العلمي مثل تعدد المخابر و الجامعات و مراكز البحث المتصلة بصفة مباشرة بالمؤسسات الإنتاجية – كما يتجلى هذا التشجيع في تخصيص موارد مالية هامة لدفع البحث العلمي. كما تعمل هذه الدول على الملقيات و الندوات و المؤتمرات الدولية و ذلك لتبادل الخبرات الاستفادة من أخر المستجدات و أصبحت وسائل الاتصال بين العلماء و الخبراء يسيره حيث تؤدي الإعلامية دورا رائدا في هذا المجال و صارت التكنولوجيا تدفع العلم الذي بدوره يدعم التكنولوجيا . و ما تحقق في الأربعين سنة الأخيرة في المجال العلمي يفرق التقدم الذي حدث خلال العشرين قرنا مضت. فالتكنولوجيا هي التجسيد العلمي للعلم و المعرفة، و هي كذلك جملة الأنشطة العلمية و الهندسة المندرجة الابتكار الصناعي. و بالتالي كثيرا ما تذكر مقترنة بالعلم و بتطوره. فالعلم يوفر لأسس النظرية و القواعد المنهجية و المطيات إلى المخترعات و المنجزات المادية، و ما لوحظ في تاريخ العلوم الحديثة أن التطبيقات للاكتشافات العلمية تتأخر نسبيا و تتطلب فترة زمنية أحيانا. فالهاتف لم يخترع إلا بعد أكثر من خمسين سنة من ظهور النظريات الموصلة إليه (من 1820 إلى 1876) و اللاسلكي تطلب 35 سنة من (1876-1902) و التلفزيون 15 سنة من (1925- 1940) إلا أن العقود الأخيرة عرفت نسقا في تحويل النظريات و المكتشفات العلمية إلى تطبيقات تكنولوجية. ففي ظرف 5 سنوات ظهر الترانزستور (1948-1953) و خلال سنوات قليلة ظهر الكمبيوتر الذي يمكن الإنسان من القيام بأعقد العمليات الحاسبية و اختزان الملايين من المعلومات و توظيفها و استعمالها لتطوير العلوم و التكنولوجيا ذاتها . و اليوم أصبحت المعرفة العلمية و الاكتشافات النظريات تنتقل بسرعة كبيرة إلى حيز التطبيق العملي. و يتجسم هذا التطبيق في مجال فسح من قطاعات الإنتاج و الخدمات و ذلك بتوفير أدوات و معدات تكنولوجيا مواجهة للاستهلاك أو لتطوير الإنتاج. و لم تؤثر التكنولوجيا في العلوم الرياضية والبيولوجية و الفيزيائية فحسب بل أدخلت طرقا و مناهج جديد على العلوم الاجتماعية و الإنسانية و خاصة بواسطة الحاسوب و الأجهزة . التكنولوجيا و الفلاحة: عرفت الفلاحة ثورات متلاحقة من أهم محطاتها الثورة الزراعية التي انطلقت من أوروبا خلال اكتشاف القرن الثامن عشر و الناتجة عن ظهور تقنيات في أساليب استغلال الأرض. فيصل التقدم التكنولوجية و العلمي تطويرات الفلاحة و انتقلت في عديد المناطق من الفلاحة تقليدية معاشية إلى فلاحة عصرية تسويقية تعتمد على طرق متطورة قوامها استعمال الأسمدة و البذور الممتازة و المعدات الحديثة ، الشئ الذي ساهم في مضاعفة الإنتاج و تطوير المنتجات الغذائية و تحتل المتقدمة صناعيا و تكنولوجيا مكانة متميزة في القطاع ألفلاحي ، بل أنها تمتلك ما يعرف بالسلاح الأخضر . و لئن تمكن القطاع ألفلاحي من تحقيق تطور ملحوظ، فذلك ناتج عن التكامل بينه و بين لقطاع الصناعي. التكنولوجيا و الصناعة: ساهمت التكنولوجيا في تطوير أساليب الصناعية و أجهزتها على اختلاف أصنافها من صناعة استخراجي للخدمات إلى صناعة ثقيلة أو صناعة تحويلية خفيفة. فمنذ الثورة الصناعية مرت الإنسانية بمراحل تكنولوجية مختلفة و متعاقبة اقترنت بتغيرات اجتماعية هامة: الثورة الصناعية الأولى التي جاءت عقب اكتشاف المحرك البخاري و اعتمدت على الفخم الحجري و الحديد و استعملت و سائل النقل ألاحتشادي – القطاع – جعلت الأمم تتحول من مجتمعات زراعية إلى مجتمعات صناعية. الثورة الصناعية الثانية التي اعتمدت على المحرك الانفجاري و ارتكزت على طاقات جديد أساسها النفط اقترنت بتحولات اجتماعية تمثلت في تراجع بعض وسائل النقل لفائدة وسائل جديد ، منها السيارة و الطائرات و غيرها التي يسرت الأفراد و المواد و الأفكار و قربت المسافات بين مختلف نقاط العالم ، و سهلت المبادلات بين الدول و الشعوب و التجمعات الإقليمية . الثورة الصناعية الثالثة و قد بدأت مع مطلع السبعينات و اعتمدت على طاقات جديدة مثل الطاقة النووية ، و استندت إلى تكنولوجيا متطورة مثل الإلكترونيك و الإعلامية ، ووافقت هذه الثورة تحولات اجتماعية منها تراجع نسبة المشتغلين في القطاع الصناعي و ذلك في جل الدول المصنعة ة المتقدمة نتيجة استعمال الإنسان الآلي ، و في المقابل ارتفعت نسبة المشغلين في القطاع الخدمات . التكنولوجيا و الخدمات: يعتبر عصرنا الحالي عصر التكنولوجيا المتقدمة و الدقيقة التي تساعد إنسان القرن العشرين على حل مشاكله و مضاعفة قدراته و طاقته العلمية و العلاجية، فاختراع الأجهزة الطبية المختلفة لرسم دقات القلب ورسم نشاط الدماغ و العضلات و الكلية الإلية و المجهر الالكتروني و المجهر التلفزيوني و الأذان الالكترونية... ساهم بقسط كبير في معرفة أسباب بعض الأمراض و القضاء عليها. و ينتظر كذلك من التكنولوجيا الحيوية و الهندسة الوراثية و بحوث اللأزر فهم أعمق لأسرار الكائنات الحية و أساليب جديدة للتغلب علي الأمراض المستعصية. و تلعب التكنولوجيا المتقدمة دورا كبيرا في عدة مجالات. منها الإعلامية التي تجمع بين المعارف النظرية و العمليات التطبيقية و التي توفر إمكانات ضخمة للكمبيوتر الذي يتولى جمع الملومات و تخزينها و معالجتها إحصائيا و تنظيميا وفق برامج مناسبة . و هكذا صارت الإعلامية تستخدم بطريقة مكثفة في القطاع الخدمات و الخاصة في البنوك و المصارف و المكتبات و مراكز البحوث و معاهد الرصد و المختبرات الجامعية و الصناعية.
  • Love
  • Save
    Add a blog to Bloglovin’
    Enter the full blog address (e.g. https://www.fashionsquad.com)
    We're working on your request. This will take just a minute...