دور المثقف في المجتمع


يطلق على المثقفين في التراث العربي الإسلامي اسم « العلماء " وهو لفض عام يشمل الفقهاء و المحدثين و الفلاسفة و الأدباء و المؤرخين ... أي كل من تؤهله ملكاته لنقل المعرفة أو إنتاجها أما المفهوم الحالي للمثقف فقد نشأ في الغرب في سياق التحولات التي شهدتها أوروبا أبان العصر الحديث . وفي البلدان العربية شاع استعمال مصطلح مثقف مع بداية النهضة الحديثة في القرن التاسع عشر وقد ظهرت فئات المثقفين نتيجة الاحتكاك مع أوروبا و انتشار التعليم العصري والوعي بضرورة الإسهام في تطوير المجتمع فبرز دور هذه الفئات أثناء الحركات الوطنية ضد الاستعمار وفي مرحلة بناء الدولة الحديثة أثر الاستقلال . و ما أنفك عدد المثقفين – بمختلف أصنافهم - يتزايد فيتعاظم دورهم في تطوير الحياة الثقافية وإنضاج التغيير الاجتماعي و بالتالي فتح أفاق المستقبل للنمو و التطور. فمن هم هؤلاء المثقفون ؟ وماهي أصنافهم ؟ تعريف المثقف: تتعد التعريفات المتداولة للمثقف فيعرفه البعض بأنه المتعلم دون تحديد المستوى التعليمي الضروري لذلك ويعرفه البعض الأخر بأنه المتحصل عل قدر المعارف العامة المتنوعة و المستعدة للاستزادة ومواصلة التثقف كما يعرف بأنه المبدع في المجالات الأدب و الفن و العلم ويعرف كذلك بأنه المفكر الذي ينتج فكرا طريفا ويطور المعرفة وينشرها خدمة للثقافة و المجتمع. ومهما تعددت الآراء وتباينت التصورات في شئنه فأن المثقف - اصطلاحا – لا يعتبر مثقفا إلا إذا توافرت فيه مجموعة من السمات أو الشروط ومنها : شرط التعليم فالمثقف هو بالضرورة متعلم غير أن التعليم وحده لا يكفي لتعريف المثقف فليس كل متعلما مثقفا التميز بالأنشطة الفكرية و الذهنية الخلاقة القدرة على التعبير عن أفكاره ونشرها معرفة مجتمعه معرفة معمقة و الوعي بقضاياه الكبرى الاستعداد للتأثير في الواقع و الارتقاء به نحو الأفضل انطلاقا من رؤية مستقبلية ومن قيم إنسانية عليا. فالمثقف هو من أكتسب معرفة تمكنه من فهم الواقع وتحليله وتقديم تصور متماسك لتطويره وكان واعيا بأهميته الدور المنتظر منه في المجتمع حريصا على الاضطلاع به. وتتصل بمفهوم المثقف ظاهرة ' الانتلجنسيا ' و يقصد بها " النخبة الفكرية " المتميزة بارتفاع مستوى تعليمها وعمق وعيها و استقلاليتها وموقفها النقدي وقدرتها على ابتكار الأفكار الخلاقة وتصور الرؤى الجديدة . وتعد الأنتلجنسيا أكثر الفئات المثقفة حرصا عل التلاحم و الترابط و أكثرها قدرة على التأثير في المجتمع . أصناف المثقفين: يؤلف المثقفون فئة اجتماعية عريضة تضم المربين و المنشطين الثقافيين و الإداريين و المهندسين و أصحاب المهن الحرة كالأطباء والمحامين و رجال الفكر و الأدب و العلم و الصحافة و القانون و الفن وغيرهم ممن يقوم نشاطهم على الفكر و الإبداعات الرمزية. والمثقفون لا يمثلون فئة متجانسة فهم يرتبطون بمختلف الشرائح الاجتماعية نتيجة انتماءاتهم المختلفة وتبعا لتنوع أنشطتهم ومجالات عملهم لذلك اختلفت الآراء حول تصنيفهم ويمكن – إجمالا – تصنيف المثقفين إلى فئتين رئيسيتين: المثقفون المبدعون : وتميزون بأتساع المعرفة و تنوعها و بالقدرة على الإبداع و الابتكار والإتيان بالطريف من الأفكار و الرؤى و التعابير وتتكون هذه الفئة من المفكرين و الأدباء و الشعراء و الفنانين و العلماء و كل العملين في المجالات الفكر و الثقافة . وتأثير هؤلاء في الرأي العام كبير . المثقفون المهنيون : ( أو تقنيو المعرفة ) وهم أصحاب المؤهلات العلمية و الكفاءات المهنية المتوسطة و العليا الذين يمارسون اختصاصهم في المجالات العلمية و التقنية و الإدارية و كذلك التثقيفية و الإعلامية و التربوية و كثيرا ما يشتغلون كموظفين في مؤسسات و هياكل الإنتاج و التسيير. ونميز من بين هؤلاء العاملين في التثقيف و التعليم و الإعلام لما لهم من تأثير في المتعلمين و في جمهور المتقبلين عامة . و إذا اعتمدنا التعريف الدقيق للمثقف القائم على الوعي الاجتماعي و التأثير في المجتمع نقول أن المثقف بهذا المفهوم يمكن أن نجده في كلتا الفئتين وذلك حسب درجة الوعي بقضايا المجتمع و مشاغل العصر وبمدى قدرته على إبداع الأفكار جديدة متطورة تسهم في التغيير ومدى استعداده للتعبير عنها وتبليغها إلى الآخرين . المثقف الملتزم هو من يدفعه وعيه الاجتماعي إلى تحمل المسؤولية و الانخراط في الحياة العامة م ن أجلة قضية هامة أو هدف مصيري وتمثل الفئة التي ينتمي أليها طليعة التغيير ومهما يكن المركز الاجتماعي الذي يحتله المثقف فإن له دورا فاعلا يؤيده في المجتمع. دور المثقف : المثقف عضو من أعضاء المجتمع يتأثر فيه ويتحدد دوره بالاستناد إلى مكانته ووظيفته داخل الأطر الاجتماعية. إن المجتمع الذي يولي الثقافة قيمة حقيقة ويوفر للمثقف المكانة ألائقة به يهيئ الشروط لإنتاج ثقافة مبدعة وحافز للتقدم و المجتمع الذي يعجز عن استغلال موارده الثقافية ويقوم بتهميش دور مثقفيه يدفع بنفسه إلى الانحصار و الركود الثقافي . و بالمقابل فالمثقف يتحمل مسؤولية تنبع من خصوصية وضيفته الاجتماعية فهو يمتاز عن باقي الأفراد – بحكم دوره – بتطوير خبرة المجتمع الفكرية و الوجدانية و الجمالية و تنميتها وتعميقها وفتح الأفاق أمامها أي تطوير ثقافة المجتمع في فظاءاتها المختلفة . تطوير الثقافة : فالثقافة تنمو وتتطور عن طريق ممارسة الإبداع ويعني تجاوز المألوف و ابتكار الجديد أي الكشف عن الأفكار و القيم و الصور المغايرة فالمفكر و الباحث و الفيلسوف و المؤرخ ينتجون الأفكار و المفاهيم و القيم و المعاني و المثل الجديدة و الشاعر و الرسام و الروائي و المسرحي و الموسيقي يبتكرون الصور و الرموز و التعابير و الألوان الأدبية و الفنية. كل واحد منهم يعبر في مجاله و بأسلوبه عن المواضيع المتعلقة بحياة الناس وعلاقاتهم و أحاسيسهم و أمالهم و طموحاتهم فيسعى بذلك إلى أثراء الثقافة صياغة و مضمونا. على أن الإبداع الأدبي أو الفني للأديب أو الفنان يختلف عن الإنتاج الفكري للباحث أو العالم لأن الأدب و الفن يشكلان داخل نطاق الذات بينما يجري عمل المفكر في أطار الموضوعية العلمية الخاضع لقواعد البحث المنهجي ويشتمل على عمليتين متكاملتين: تحليل الواقع : فبفضل ما لديه من معرفة ووعي متميز يستطيع المفكر رؤية الواقع وفهمه عل نحو أكثر وضوحا فيدرك آليات سير المجتمع ويتابع نضام حركته الشاملة بما يكفل له معرفته كيفية توجيه مساره . ولا يكون تحليل الواقع صحيحا ألا من خلال رؤية نقدية تتجاوز الحاضر وتتطلع إلى تجديده وتطويره. استشراف المستقبل : ولما كانت الثقافة حركة تطور مفتوح على المستقبل فأن دور المثقف لا يكون في اجترار الماضي أو تكرار الحاضر بل في توليد العناصر الخلاقة الكامنة فيهما تلك العناصر التي تتيح للمجتمع إمكانيات النمو و الاستمرار و للثقافة فرص التجدد و التفتح .
  • Love
  • Save
    Add a blog to Bloglovin’
    Enter the full blog address (e.g. https://www.fashionsquad.com)
    We're working on your request. This will take just a minute...