نقل التكنولوجيا


التكنولوجيا – شأنها العلم مظهر من مظاهر نبوغ الإنسان و مؤشر على قدرته على الإبداع و الابتكار هندسة و تصميما و إنجازا. و لا يمكن للفرد المتهيئ للقرن الواحد و العشرين أن يدعي بأنه لا حاجة له إلى هذه التكنولوجيا بتعلة أنه لم يسهم في تصويرها ووضعها ، كما لا يمكن للمجتمعات أن تعيش بمعزل عما يجري حولها علما و تفانيا و سياسيا بل أثبتت تجارب الانغلاق و الحماية حدودها و فشلها . إن التكنولوجيا تراث إنساني تكون عبر الفترات و المراحل التاريخية و ساهمت فيه الحضارات المتعاقبة بشكل أو بأخر و من حق الإنسانية جمعاء الاستفادة منه و العمل على مواصلة الإسهام فيه مع الحرص على تجنب أثاره الجانبية و الاستخدامات السلبية الممكنة. مراكز إنتاج التكنولوجيا : يبدو العالم اليوم منقسما إلى مجموعتين غير متكافئتين: مجموعة تنتج التكنولوجيا وتوظفها خدمة لمصالحها و أخرى تقتصر غالبا على استهلاك الجزء الذي يسمحا لها به وهذا يولد اختلالا وهوة بينهما يعبر عنها بالفجوة التكنولوجية والتي يفسر بها مستوى التقدم و النمو لكل منهما. و إذا تابعنا الفضاءات التي ظهرت فيها المخترعات التكنولوجية و أسماء أصحابها اتضح أن جلها برز في أوروبا الغربية : انقلترا – ألمانيا – فرنسا و كذلك اليابان و الولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد السوفياتي سابقا. ولقد تحقق لهذه المجموعة السبق التكنولوجي بفضل الرصيد المعرفي و العلمي المتراكم من الثورة الصناعية الأولى ووجود تقاليد تصنيع ووحدات صناعية تقوم بدور الحافز للبحث والتطوير إضافة إلى التمويلات الضخمة التي رصدت للبحث العلمي و التجهيز الحديث . و لا بد من الإشارة إلى وجود ديناميكية وتنافس كبير بين هذه البلدان للحفاظ على الأسبقية في مجال الاختراع و التميز في الميدان التصنيع و الترويح كما يوجد تكامل بينها و حرص على التخصص سواء في صناعات التعدين و التحويل أو البتروكمياويات أو الآليات الميكانكية أو الالكترونيات وصناعة الحواسيب وغيرها بحسب مسار كل بلد وخبراته وقدراته. لكن التنافس بين هذه البلدان لم يمنعها من الانخراط في منضمات وهيئات تجمعها وتيسر تداول المعلومات بينها حول المكتشفات و المخترعات الجديدة كما تمكن هذه التجمعات من السن تشريعات موحدة ووضع سياسات متقاربة في مجال التحكم في التكنولوجيا ونقلها و السيطرة على سوقها العالمية. إن التكنولوجيا و العلم الذين ساهم فيها المهندسون و العلماء و الباحثون و التقنيون أكبا المجتمعات الصناعية قوة و نفوذا في العالم و أدوارا أولى في شبكة العلاقات الدولية فترسخ تقاليد البحث الأساسي النظري و التطبيقي العملي ورصدت التمويلات الضخمة لذلك وبعثت المؤسسات المختصة في إنتاج التكنولوجيا وتطويرها حتى تحافظ البلدان الصناعية على المكانة المتميزة التي وصلت إليها في هذا الميدان تنفرد بالحلول المناسبة للمشاكل الجديدة المطروحة عليها وعلى الإنسانية عامة. يعتبر عدد العلماء و المهندسين بالنسبة إلى مجموع السكان مؤشرا على مدى اهتمام الدول بالعلم و التكنولوجيا وعلى وجود مناخ مساعد على الابتكار و الإنتاج. محاولات امتلاك التكنولوجيا: لقد واجهت الأقطار النامية اثر الاستقلال مشاكل كبرى تتصل بالتشييد و البناء وباستثمار الخامات و الثروات الوطنية وبتلبية تزايد حاجات الأفراد تحت ضغط النمو الديموغرافي و انتشار أنماط الاستهلاك الجديدة و رأت في المنهج الدول الصناعية المتقدمة نموذجا تنمويا يحتذي فاتجهت نحو تعصير الاقتصاد و أنشاء أقطاب صناعية بتركيز مصانع كبيرة ومعامل ضخمة وتجهيزها بالتكنولوجيا المتطورة كما اعتمدت هذه المنتجات لتحسين ظروف العيش ورفع مستوى الأفراد اقتصاديا و اجتماعيا. وتتخذ التكنولوجيا الصناعية عدة أشكال ملموسة منها : التجهيزات و المواد الأولية و المنتجات شبه الجاهزة وكذلك الراءات و رخص التصنيع التي تسمح باستعمال التكنولوجيا. إجراءات و طرق استعمال التجهيزات في الإنتاج المهارات الضرورية لتصميم التجهيزات و صيانتها و استعمالها. طرق التنظيم و الإدارة و التوزيع هندسة الإنتاج بتصميم و انجاز وحداته ونضرا إلى أهمية التكنولوجيا في تطور المجتمعات وتنميتها يضل النقل أو الاستيراد عملية ضرورية تاريخيا في انتظار تطور المستوى العلمي للمجتمعات النامية لتصبح قادة عل الابداع و انتاج التكنولوجيا المناسبة . وقد اتبعت الدول الناقلة للتكنولوجيا طرقا مختلفة في ذلك يمكن تلخيصها في : مجموعة أولى من الدول النامية توفرت لها إمكانات وسيولة مالية – أرادت اختصار المسافة وشراء المصانع الجاهزة بكل مكوناتها و معداتها و إطاراتها المسيرة دون أن تكون مندمجة كليا في الاقتصاد المحلي فكان لها ذلك و استفادت من التنافس الذي يتبع السوق العالمية وتحصلت على ما تريد من منتجات تكنولوجية إلا أنها لم تتوصل إلى إيجاد البيئة العلمية و التقنية الضرورية لتوطين التكنولوجيا وتكييفها و الإسهام في تطورها بحيث تشع على كافة أفراد المجتمع وتغير سلوكاتهم في اتجاه التصور والابتكار. مجموعة ثانية سعت إلى المساهمة في إنتاج جزء أو أكثر من مكونات التكنولوجيا المذكورة كتوفير المهارات الضرورية لاستخدام التجهيزات و صيانتها وتكوينها في المعاهد التقنية العليا الوطنية أو الأجنبية أو أيجاد البنية التحتية و المواد الأولية الضرورية لتشغيل وحدات التصنيع أو المشاركة بمنتجات شبه جاهزة في دورة الإنتاج . وتوجد مجموعة ثالثة من الدول و الأنظمة الاجتماعية كاليابان لم تتردد في مرحلة أولى في استيراد التكنولوجيا وخاصة المتقدمة منها و حرصت عل تفكيك عناصرها وفهم أسرارها و إدراك الأنساق النظرية الهندسية التي تتضمنها فطورتها وجودتها وصنعتها بأعداد هائلة وروجتها في الأسواق العالمية بأثمان لا تقبل المنافسة حتى صارت اليوم مقدمة البلدان المخترعة . ماثلتها في هذا التمشي العديد من القوى الصناعية الصاعدة مثل كوريا و الهند و البرازيل . فامتلاك التكنولوجيا ليس سرا في جوهره و لا عامل تنمية بصفة آلية بل هو موقف و سلوك يبدأ بالاستعداد للانخراط في العصر التكنولوجيا ويتواصل بالتعليم و التكوين وينتهي بالبحث في البدائل التكنولوجية و اختيار ما يلائم منها مستوى تطور المجتمع و حاجاته الحقيقية.
صعوبات نقل التكنولوجيا وقضياه : تطرح هذه الصعوبات على البلدان النامية خاصة ففي بداية الثمانينات كان نصيب هذه الدول من جملة المصاريف المنفقة على البحث العلمي لا يتجاوز 3 % ذلك إن إمكانيات البحث العلمي و التطور التكنولوجي لا تتوفر في البلدان النامية بقدر توفرها في البلدان المتقدمة . و أمام هذا الوضع لم يبق للدول النامية من خيار سو نقل التكنولوجيا لكن السؤال الذي يفرض نفسه هل أن هذا النقل هو لغرض الاستهلاك فحسب ؟ أم هو لغرض اكتساب آلياتها وفهمها ؟ ولاشك أن نقل التكنولوجيا ليس لمجرد الاستهلاك بقدر ماهو استيعاب وتحكم فيها. و إذا كان الأمر كذلك. فماذا ننقل من التكنولوجيا ؟ و كيف يمكن الاستفادة منها ؟ ماذا ننقل ؟ تحتاج البلدان النامية إلى التكنولوجيا لتطوير قطاعات الإنتاج و تلبية حاجات السكان من الخدمات كتعليم و الصحة و غيرها ومن الضروري أن يكون نقل التكنولوجيا مساهما في دفع الإنتاج و تحريك الاقتصاد حتى ينشط ويتجدد لمواجهة المنافسة و التحديات العالمية كما ينتظر منها مساعدة الدول النامية عل حل مشاكلها لا على تعقيدها فتوريد " الربوتات " مثلا لا يمكن من حل مشكل البطالة بل قد يزيد في استفحالها. إن تطور التكنولوجيا يجعل البلدان المقتصرة على النقل الآلي و المتواصل للمستحدثات التقنية في وضع تبعية مستمرة لمراكز الإنتاج و عاجزة عن ترشيد نفقاتها و اختياراتها. فالجهات المالكة للتكنولوجيا و خاصة المتقدمة منها – سواء كانت مؤسسات وطنية أو شركات متعددة الجنسيات – ليست مستعدة دائما لتفريط أو لنقل منتجاتها التقنية إلى أطراف أخرى بكل يسر و دون قيد أو شرط . إن سيطرة الدول الصناعية المتقدمة عل التكنولوجيا الحديثة تجعلها تقنن عملية النقل وتملي شروطها على البلدان النامية الراغبة في الحصول عل مقابل مالي مرتفع لانجازات البراءة و حقوق الاختراع أو رخص الإنتاج والمشاركة في الاستثمار ومنع الطرف المتعاقد من النقل التكنولوجيا المعينة بالاتفاق إلى طرف ثالث أو استعمالها في غير ما اتفق عليه أو بيع المعدات و الأجهزة و الاحتفاظ بأسرار الصنع و الصيانة . كيف نستفيد من نقل التكنولوجيا ؟ من الواضح أن نقل التكنولوجيا لا يثمر في المجتمع يعاني الجهل و التخلف و الانغلاق. فالاستفادة من التكنولوجيا تتطلب مناخا ملائما و مقدرا للحريات و المبادرات مكبرا للعقل و العلم المنبذ للفكر الخرافي و التواكل و لا تنمو التكنولوجيات ألا في المجتمعات التي تتوفر فيها الأرضية المشجعة على العلم و المتمثلة في : نشر التعليم وتشجيع البحث العلمي حتى تنتشر المعارف و النظريات التطبيقية وتتخرج الكفاءات القادرة على فهم واستيعاب أخر المستجدات و لم لا المساهمة في تطويرها وتكييفها حسب ظروف البلد المنتمي أليه وطبيعته وهو المنهج الذي سارت عليه اليابان عقب الحرب العالمية الثانية وتسير عليه العديد من القوى الصناعية الصاعدة مثل كوريا الجنوبية .. توفير البنية المادية المناسبة مثل تعدد مراكز البحث و المخابر و تشجيع العلماء و الأدمغة و أجاد الحوافز المادية الكفيلة بدفعهم نحو الخلق و الابتكار عوض التفريط فيهم لفائدة الدول المتقدمة. دعم الصلة بين المراكز البحث و المخابر و الجامعات و بين المؤسسات الإنتاجية حتى تدخل هذه الاختراعات و الاكتشافات بصفة سريعة في الدورة الإنتاجية. ويمكن أن ينظاف إلى هذه الجهود عمل الدولة التي تعمل على تركيز المؤسسات العلمية ونشرها و إيجاد البنية التعليمية الضرورية ليتقدم البحث. و إضافة إلى كل ذلك يبقى دور الفرد أساسيا في التقدم العلمي و التكنولوجي و ذلك بالإقبال عل التعلم و الإيمان بجدوى الفكر العلمي و العقلاني ونجاعته.
  • Love
  • Save
    Add a blog to Bloglovin’
    Enter the full blog address (e.g. https://www.fashionsquad.com)
    We're working on your request. This will take just a minute...